الحكمة من فرض الصيام :
بينها الله تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فهو طريق للتقوى ولا ريب أن التقوى منزلة عظيمة سامية, علق الله قبول العمل عليها , كما قال سبحانه وتعالى : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] أوصى بها الأولين والآخرين قال تعالى:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ}, وأخبر أنها ميزان التفاضل {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وثمة حكم وفوائد كثيرة في الصيام من ذلك :
1- الصحة البدنية وهذا أمر متقرر معلوم بأن الصيام يخرج الرطوبات وما يتعلق بها.
2- إضعاف داعي الشهوة لأن الصيام يغلق مجرى الشهوات والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم...والطعام والشراب يقويها .
3- تذكر حالة الفقراء فحينما يحس الصائم بالجوع والعطش يشعر بمعاناة إخوته الفقراء.
4- تربية الإنسان على الصبر ولذلك سمي شهر الصبر والصبر من أعظم صفات المؤمن .
5- شعور الإنسان بالنعم التي أسداها الله عليه, فالصيام له اثر كبير في هذا لأن الإنسان حينما يعتاد على النعم لا يشعر بقيمتها وحينما يفقدها يشعر بقيمتها كما
قيل : وبضدها تتميز الأشياء, فالصحة مثلاً من أعظم النعم ولا يشعر بها الإنسان حتى يفقدها ويمرض ، وهكذا جميع النعم مثل لايشعر المرء بفقدها إلا إذا افتقدها .
عموماً الصيام له حكم كثيرة جداً ويكفي المؤمن أن الله تعالى فرضه والله عليم حكيم فيما فرض ، ولا يوجب على المسلمين إلا ما فيه صلاحهم و على المسلم أن يسلم لحكم الله ، ولو لم يدرك هذه الحكمة , وينبغي أن لا يكون تعبد الإنسان مربوطاً بظهور الحكمة, لكن إن أدرك الحكمة فذلك خير ، وإن لم يدركها فليس له إلا التسليم كما قال تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء
وقد شرع الصيام في السنة الثانية من الهجرة ومر بمراحل في مشروعيته كما يلي :
1- التخيير بين الصيام والإطعام مع تفضيل الصيام كما في قوله تعالى : {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة : 184].
2- تحتم الصيام على المكلف لكن إذا نام الإنسان الليل ولم يطعم فإنه يواصل إلى الليلة القادمة, ولذلك جاء في البخاري من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائماً, فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها : أعندك طعام ؟ قالت: لا ولكن انطلق فأطلب لك , وكان يعمل يومه فغلبته عيناه , فجاءته امرأته, فلما رأته قالت: خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ} ففرحوا بها فرحاً شديداً ونزلت: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}
3- المرحلة التي استقر عليها الأمر إلى يوم القيامة ، وهي وجوب الصيام في النهار فقط دون الليل